خـطــوات
رواية بقلم: د.تامـر ابراهيـم
الجـزء الثانـي
[color=#00ccff]كنت أسمع تلك الخطوات.. كنت أسمعها كل ليلة
[color:1166=#00ff00:1166]*******
أنت الآن تراني أقف أمام باب الشقة أنتظر... أمسك سكين المطبخ
سلاحي الوحيد تحسباً لأي احتمال
لا تسألني كيف نمت الليلة الماضية، وكيف استطعت مقاومة صدى الصرخة الذي أخذ يتردد في أذني حتى الآن
حين تمضي كل هذا الوقت بمفردك يغدو كل شيء ممكناً، وكل ما تحتاج إليه هو قليل من التركيز
التركييييييييز
لكني كنت أعرف أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد ... كنت أعرف مثلك تماماً أن الخطوات ستعود
وستصعد..
لم تكن لدي أي فكرة عن الذي سأفعله بالضبط ، ولكني أثق في أنني لن أقف ساكناً هذه المرة، لذا
لذا ها أنا أقف أمام باب الشقة منذ أن استيقظت، أقبض على سكين المطبخ الصدئ وأنتظر
أنتظر الخطوات
لم يعد الصمت يغلفني، فضربات قلبي في صدري، كانت تدوي في أذني بضجيج مؤلم
ضجيج لن يتوقف إلا لو حدثت النهاية التي أخشاها
كيف لم أنس ما حدث الليلة الماضية كما هي عادتي ؟! ... حسنًا ... أعرف أنه حل مجنون نوعاً ما.. لكني كتبت كل ما حدث على الجدار
لا أحاول استيحاء عادات فرعونية قديمة، لكني لا أملك ورقاً هنا، ولم أكن أريد أن أنسى ما حدث، لأبقى في عذاب عدم فهمي إلى الأبد... لذا ها أنا أقف أمام جدار كتبت عليه ملخص ما حدث الليلة الماضية.... ملخص رديء... لكنه يكفي
أعرف أنك تتساءل الآن عن الذي حدث ليلة أمس، بعد دوي الصرخة
أعرف لكني لا أملك رداًُ... فلم يحدث شيء على الإطلاق
حتى جيراني عليهم اللعنة لم يتحرك أحدهم ليتحرى مصدر هذه الصرخة
المهم أن الأصوات اختفت بعدها، وعاد الصمت نسبياً ليلتها، فأخذت أسجل على الحائط كل ما حدث، لذا لا تستغرب لو رأيت كم علامات الاستفهام على الحائط
وها أنا أنتظر خطوات الإجابة
طال انتظاري، حتى كدت أعدل عن الفكرة كلها ثم... ثم
ثم سمعت الخطوات تصعد
خطوات مخيفة.. خطوات رهيبة.. خطوات قادمة نحوي
كنت أرتجف حتى كاد السكين في يدي يسقط، لكني تحاملت على نفسي، لأفعل ما لم أفعله منذ سنوات
أزحت رتاج الباب.. أمسكت بالمقبض.. التقطت نفساً عميقاً.. ثم فتحت الباب... فتحته قليلاً، ودسست رأسي في الفرجة الضيقة، لأرى ظلام الدرج، وصوت الخطوات يصعد.. ويقترب.. ويقترب
ثم رأيتها لأول مرة
ياإلهي... لقد رأيتها
*******
كانت بلا وجه... كان الشعر الأسود الطويل يغطي رأسها تماماً.. وكانت ترتدي فستاناً أبيض اللون يشع بالضوء.. وكانت بلا ساقين
كانت تحلق على الأرض كأنما تسير على وسادة هوائية، لكن صوت الخطوات كان يعلو من تحركها وهي تصعد متجهة نحوي.... نحوي أنا
البرودة المخيفة تشل أطرافي... السكين يسقط من يدي فعلاً... وشعري ينتصب كقنفذ... وهي تصعد مصدرة صوت الخطوات المخيف
حين استدارت لتنظر إليّ أخيرًا، انفجرت أنا في صراخ هستيري، وانتفض جسدي كله كأنما صعقني البرق، ويدي تتصرف تلقائياً لتغلق الباب، ثم حملتني ساقاي إلى غرفة النوم، حيث تكومت في أحد الأركان، ضامًا ساقي إلي صدري، وانفجرت في البكاء وأنا أرتجف
أنا أهذي.. أنا أهذي.. أنا أهذي
مستحيل أن يكون ما رأيته صحيحاً... مستحيل... مستحيل
[color=#00ff00]*******
لم أجد في نفسي القدرة على كتابة ما حدث هذه الليلة، لذا نمت مكاني، واستيقظت في اليوم التالي عاجزاً عن تذكر ما حدث
كنت ما زلت أرتجف... شيء رهيب حدث ليلة أمس لكني لا أذكره
فقط أذكر الخطوات
كنت أسمع هذه الخطوات.. كنت أسمعها كل ليلة
وكنت أعرف أنني سأسمعها مجدداً هذه الليلة... وهذا ما حدث... سمعت الخطوات تدق أعصابي في موعدها المعتاد تصعد إلى أعلى، ثم تتابع الأصوات المعتاد فوق السقف
لا... لن أسمح لهذه الخطوات بأن تدمر حياتي.... فلتكن خطوات الشيطان ذاته فلن يمسني بسوء، طالما أنا في شقتي لا أغادرها، وأنا لم أكن أنوي المغادرة بأي حال
ما سأفعله الآن هو أنني سأجلس على فراشي كالمعتاد، وسأواصل القراءة في كتابي كما اعتدت أن أفعل كل ليلة
وبالفعل فتحت الكتاب محاولاً السيطرة على تلك الارتجافة التي تغمر جسدي وبدأت في القراءة، حتى سمعت ذلك الصوت الجديد
صوت شيء حاد شقّ الهواء كأنه سيف هائل، ثم صوت الارتطام
ثم سقطت أول قطرة دم من السقف على الكتاب المفتوح بين يدي
[color:1166=#00ccff:1166]ماذا تفعل لو كنت مكاني؟
هل تصرخ ؟! هل تبكي ؟! هل تهرب؟
حسن.. أنا لم أفعل
أنا لم أجرؤ على فعل شيء
فقط رفعت رأسي إلى السقف، لأرى دائرة تصبغ باللون الأحمر وصوت الصفير يتكرر مرة أخرى، لتسقط قطرة دم أخرى
[color=#ff0000]بليك..
لقد جننت.. أرجوك يا إله.. لقد جننت
بليك..
هذه القطرة سقطت على رأسي.. وها هي تسيل لزجة على جبهتي
بليك..
صفير.. ارتطام .. قطرات
وها أنا أسير الآن كالمأخوذ.. أغادر الفراش.. الشقة.. أصعد الدرج
أصعد.. أصعد.. أصعد
الباب المعدني مفتوح.. أدخل.. أراها ثانية
وأرى السكين الضخم في يدها تسيل الدماء من على نصله
تلتفت هي لي، ويدوي صوتها في أذني
أبي... لقد عدت -
[color:1166=#00ff00:1166]*******[color=#ff0000]أبي.. لماذا ننسى؟ -
لأن النسيان نعمة يا حبيبتي.. النسيان نعمة -
[color:1166=#00ff00:1166]*******