ذكريات من إيطاليا
ككل يوم في الصباح الباكر أستيقض على زقزقة العصافير الرنانة التي تحط على شرفة منزلنا المتواضع لتعزف أجمل الألحان فأفارق الفراش و أنا أحن لأغمض جفني للحظات قلائل و لكن ما بيدي حيلة و أمضي إلى الحمام خطوة إلى الأمام و خطوتين إلى الوراء بمشية متثاقلة كأني أكنس الأرضية فأدخل الحمام و ما إن أغسل وجهي ترجع الروح لي و تبدأ يوميتي المريرة فأتوضؤ و أصلي صلاة أنقرها نقر الديكة للحب إلا أني لا أترك ثقوبا على السجاد أحضر الفطور و أي فطور خبز عتيد أوسخ به أسناني و شربة حليب إذا ما وضعتها في معدتي تتوه فيها و تجدني أبحث عن حذائي في كل مكان فلما و جدته تحيرت كيف ألبسه منكثرة الثقوب التي فيه يظنه الرائي كسكاسا لطهو الطعام و تجدني أبحث عن نظارتي التي عانت الكثير من الصدمات و كنت أضمدها بالشريط اللاصق و ألفها به لفا فأضع نظارتي و أمضي إلى عملي لأسترزق و أنا نازل في الدرج يراودني شعور بأني في مقبرة فأهم بالدعاء "هم السابقون و نحن اللاحقون" و أخرج من العمارة عفوا الدمارة فأسلم فلا يرد علي فأمضي قدما ولا أأبه لأني تعودت على مثل هذه المناظر و الجميل في الأمر أن دكانتي الصغيرة -التي أبيع فيها الكتب -المترامية الأطراف فضلت أن تكون بعيدة عن مقر سكناي فكان رجلاي تتورمان حتى أصل لها فأنهك قبل العمل فأفتحها بعض أن أنظفها و ألبس ملابس العمل الذين قدموا لي من طرف رجل إيطالي كان من زبائني المداومين على شراء الكتب و كان أكثر زبائني من المسنين لأن الشباب لا يأبهون بالقراءة فقد أنتهم دور السينما و كفتهم العناء فأفتح دكانتي المتواضعة وأمضي مع الزبائن أقضي حاجتهم و ألبي طلبهم في اجتهاد و اتقان و رغم هذا فقد تصدر من أحدهم كلمة جارحة عنصرية إذا ما غضب و لم تححق مشيئته كوني أني عربي و كنت أخشى على فقدان الزبائن فأسرها في نفسي لكي لا أقطع رزقي بكلمة في حالة غضب و كانت هنالك امرأة ايطالية تسمى "فانيسا"تسكن فوق الدكان مباشرة تضع دائما اسطوانات لبتهوفن و ساعد ذلك في جلب الزبائن لى دكانتي و كانت هذه المرأة الطيبة -التي توفي زوجها في الحرب العالمية الثانية -تجلب لي الغداء كل يوم و تجلس معي حتى انتهي من الأكل و كان تثني على زوجها خيرا و كانت كثيرا ما تذكره فأعجبني في هذه المرأة التواضع النادر من جهة و الإخلاص الشديد من جهة أخرى لزوجها و كان تقول لي دوما بأنها ترتاح لمجالستي لما كنت أعطيها من الراحة و حسن الإستماع و الإطمئنان........يتبع